أحدث الأخبار
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد
  • 06:56 . العفو الدولية تحث على منع أبوظبي من تسليح الدعم السريع... المزيد
  • 06:07 . اليمن.. قوات موالية لأبوظبي تسيطر على عاصمة وادي حضرموت ووفد سعودي يصل لاحتواء التوتر... المزيد
  • 11:58 . مفتي عُمان: العدوان على غزة يتصاعد رغم الاتفاق وندعو لتحرك دولي عاجل... المزيد
  • 11:49 . ترامب يجمّد الهجرة والتجنيس لمواطني أربع دول عربية... المزيد
  • 11:37 . السعودية تقر موازنة 2026 بعجز يتجاوز 44 مليار دولار... المزيد
  • 11:18 . الأمم المتحدة تصوت لصالح إنهاء احتلال فلسطين والجولان... المزيد
  • 11:05 . تقرير دولي يربط أبوظبي بشبكات تهريب السلاح والمرتزقة في حرب السودان... المزيد
  • 08:55 . الإمارات ترسل مساعدات وفرق إنقاذ إغاثية لمتضرري فيضانات سريلانكا... المزيد

المال والمرتزقة والتخريب: كيف تستثمر أبوظبي وتل أبيب في الفوضى الإقليمية؟

سمية الغنوشي
ترجمة خاصة – الإمارات 71 الكـاتب : الإمارات71
تاريخ الخبر: 04-11-2025

في شفق الفاشر الخافت، تتشبث طفلة بدمية مغطاة بالسخام بجانب كومة من الرماد حيث كان منزلها قائما ذات يوم.

تتجمع الأمهات في ممرات آخر مستشفى عامل، خائفات من أن تودي غارة جوية أخرى بأرواح الجرحى الذين يعتنين بهم. يحفر الآباء القبور بأيديهم، ويدفنون أطفالهم في باحات المدارس المدمرة.

لمدة ثمانية عشر شهراً، عانت المدينة من حصارٍ حرمها من الطعام والماء والحياة. وعندما سقطت أبوابها أخيراً، لم يكن التحرير هو ما دخلها، بل كان الفناء.

ويتحدث شهود عيان عن رجال تم جرهم من منازلهم، ونساء وأطفال تم إعدامهم في الشوارع، ومستشفيات تعرضت للقصف بينما لجأ مدنيون مرعوبون إلى الداخل.

وثّقت هيومن رايتس ووتش مشاهد قتل جماعي وحرق ونهب. ووصفت الأمم المتحدة الهجوم بأنه "حملة إبادة". وخلف القوة التي نفذت هذه الفظاعة، تقف دولة راعية تُلطخ بصماتها كل جبهة في حرب السودان: الإمارات.

إذا كانت قوات الدعم السريع هي الجلاد المرئي، فإن اليد التي توجهها هي أبوظبي.

لقد ضخت الأموال والأسلحة والغطاء السياسي في آلة الحرب التي يقودها زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو - المعروف باسم حميدتي - مما أشعل صراعاً مزق السودان.

تاريخ مظلم

وتستمر الأسلحة في الوصول إلى قائد قوات الدعم السريع عبر الحدود غير المحكمة بين تشاد وليبيا، وعن طريق الرحلات الجوية عبر القواعد الإماراتية في أرض الصومال، مما يؤدي إلى استمرار الحرب التي شردت الملايين وأدت إلى تفريغ مؤسسات البلاد.

حتى المعدات العسكرية البريطانية وجدت طريقها إلى أيدي قوات الدعم السريع، مما يكشف عن تواطؤ الغرب الصامت في الجرائم التي يدينها علناً.

تعود جذور قوات الدعم السريع إلى أحلك زوايا تاريخ السودان الحديث. تشكلت في عهد الرئيس السابق عمر البشير كذراع شبه عسكري لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ثم دُمجت لاحقاً في هيكل الجيش دون أن تفقد استقلاليتها.

لقد ارتقى زعيمها حميدتي من تاجر إبل متواضع إلى أمير حرب، ومن منفذ أوامر البشير في دارفور إلى نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان.

في عام ٢٠١٩، ساهمت قوات الدعم السريع في عزل البشير، وانضمت إلى الحكومة الانتقالية، مع الحفاظ على استقلاليتها ودعمها الخارجي. وانهار هذا التعايش الهش مع الجيش في أبريل ٢٠٢٣، عندما فشلت مفاوضات إصلاح الأمن.

وما تلا ذلك لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كان صراعاً من أجل بقاء الأمة: دولة تواجه القوة المرتزقة التي خلقتها ذات يوم.

ومنذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير عام 2018، تدخلت أبوظبي لتخريب الثورة السودانية وحرفها عن مسارها.

لقد قامت بتسليح وتمويل حميدتي - قائد الجنجويد الذي استخدمه البشير ذات يوم لسحق دارفور - وسعت إلى استغلال نفس الخبرة الوحشية لتدمير السودان وتفتيته وتقسيمه بشكل أكبر، باستخدام دولاراتها النفطية كسلاح للتفكك.

كشف تحقيقٌ لموقع "ميدل إيست آي" عن آلية عمل هذا الدعم: من خلال شبكة سرية من عمليات النقل الجوي والأسلحة والمرتزقة. ففي مدينة بوساسو الساحلية الصومالية، تُعلّم طائرات الشحن الإماراتية الأراضي "الخطرة" وتُغادرها تحت جنح الليل، كجزء من عملية سرية لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى السودان.

تم نشر مرتزقة كولومبيين، جندتهم شركات خاصة مقرها الإمارات العربية المتحدة، تحت قيادة قوات الدعم السريع في ساحات القتال بدارفور. هذه ليست حرباً بالوكالة بالصدفة، بل مُدبَّرة.

لكن السودان ليس سوى المسرح الأحدث في حملة أبوظبي الطويلة للثورة المضادة.

حملة مضادة للثورة

تم تصدير وحشية قوات الدعم السريع في البداية إلى اليمن، حيث تم نشر عشرات الآلاف من المقاتلين السودانيين تحت القيادة الإماراتية لشن حرب الإمارات من أجل الهيمنة.

منذ الربيع العربي، شنّت أبوظبي حملةً مضادةً للثورات في جميع أنحاء العالم العربي. موّلت الانقلابات، وسلّحت الميليشيات، وأجّجت حروباً بالوكالة لعرقلة التغيير الديمقراطي.

هناك، أصبحت وحدات الجنجويد نفسها التي دمرت دارفور ذات يوم أدوات للطموح الإماراتي، واستأجرت العضلات في حرب إقليمية حطمت دولة عربية أخرى.

 منذ الربيع العربي، شنت الإمارات ــ بقيادة محمد بن زايد ــ حملة مضادة للثورة في جميع أنحاء العالم العربي.

لقد قامت بتمويل الانقلابات والميليشيات المسلحة وتأجيج الحروب بالوكالة لوقف التغيير الديمقراطي والحفاظ على النظام الاستبدادي في المنطقة.

لقد أصبحت سياستها الخارجية تعتمد على التخريب الاستباقي، لضمان عدم نجاح أي ثورة، أو بقاء أي ديمقراطية، أو ترسيخ أي حرية قد تهدد الأنظمة الملكية في الخليج.

وفي مصر، مولت الانقلاب الذي جلب الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة وأعاد الحكم العسكري.

وفي تونس، احتضنت استيلاء قيس سعيد على السلطة في عام 2021، مما أدى إلى خنق آخر ديمقراطية باقية في العالم العربي.

وفي ليبيا، تجاوزت أبوظبي حدودها، مُنتهكة القانون الدولي مراراً وتكراراً لتنصيب مُستبد جديد. وثّق تقرير للأمم المتحدة انتهاكات الإمارات المتكررة لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا: طائرات هليكوبتر هجومية، وطائرات مُسيّرة، وأنظمة صواريخ زُوّد بها سراً الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، مما أدى إلى تصعيد الحرب وتمكينه من الاستيلاء على أراضٍ استراتيجية.

والآن أصبح من المستحيل إنكار النمط.

وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال بالتفصيل كيف عززت خطوط أنابيب الأسلحة الإماراتية قوة ميليشيا سودانية متهمة بالإبادة الجماعية، وهي صورة طبق الأصل مما حدث في ليبيا.

تبشر أبوظبي بأن الرخاء دون حرية هو طريق التقدم للعرب. لكن الواقع الذي ينتجه نموذجهم هو التشرذم والفوضى وإراقة الدماء.

وفي الوقت نفسه، تكشفت قصة موازية في غزة، وهي قصة تجمع بين المظهر "الإنساني" والهندسة السجنية.

تشير الأدلة إلى أن أبوظبي متورطة في مخطط إسرائيلي لتدمير شرق رفح وإقامة "مدينة إنسانية" لتجميع 600 ألف فلسطيني، وهو "معسكر اعتقال" بكل المقاييس.

ويرجع موقع موندويس هذا الأمر إلى العملية الإسرائيلية التي أطلق عليها اسم "غالانت نايت 3" وظهور "القوات الشعبية" التابعة لأبو الشباب كوكيل محلي لمراقبة المنطقة.

لخدمة هذا السجن المغلق، شيّدت أبوظبي ست محطات تحلية مياه في مدينة العريش المصرية، بسعة إجمالية يُقال إنها تكفي لخدمة أكثر من 600 ألف شخص، وهو الرقم نفسه الذي ردده المسؤولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام المتعاطفة. وتُصوّر التغطية الإعلامية الإماراتية الرسمية هذا العمل الخيري على أنه عمل خيري.

في هذا السياق، يبدو الأمر بمثابة بنية تحتية لاحتواء شامل. ولم تقف أبوظبي مكتوفة الأيدي بينما شنت "إسرائيل هجوم إبادة جماعي، بل ساهمت في إبقاء شرايين "إسرائيل" مفتوحة.

ومع تزايد التنافس على البحر الأحمر، اتجهت "إسرائيل" إلى الشحن البري من الهند عبر الإمارات لتجاوز هجمات الحوثيين في اليمن.

فصّلت التقارير والمتابعات مسارات النقل بالشاحنات من موانئ الخليج إلى حيفا. في مطار بن غوريون، وبينما علّقت معظم شركات الطيران رحلاتها، واصلت شركات الطيران الإماراتية رحلاتها، مشكّلةً بذلك شريان حياة للمسافرين الإسرائيليين خلال الحرب.

شراكة أيديولوجية

ولا تقتصر هذه الشراكة على الجوانب اللوجستية فحسب، بل إنها أيديولوجية وتجارية.

عملت الشبكات الإلكترونية الإسرائيلية والإماراتية جنباً إلى جنب لتشكيل الروايات حول السودان وغزة، مستهدفة الجيش السوداني حتى في الوقت الذي تصاعدت فيه مجازر قوات الدعم السريع في الفاشر.

على صعيد الصناعات الدفاعية، تتوسع الشركات داخل الإمارات، مما يعزز تدفق الأموال والتكنولوجيا والاستخبارات في كلا الاتجاهين.  وتفتتح شركة الدفاع الإسرائيلية "كونتروب" فرعاً لها في الإمارات، مما يجعلها أحدث مثال على هذا التقارب الأمني ​​المتنامي.

في الوقت نفسه، يتفاخر حكام أبوظبي بـ"نموذج التنمية" الذي يتبعونه باعتباره "مثالاً مشرقاً للمنطقة ": نموذج استبدادي، معادٍ للسياسة، غارق في الاستهلاك والاستعراض.

إنها واجهة تقدم مبنية على القمع. سراب الحداثة يخفي آلية استبداد.

يُروّجون أن الرخاء دون حرية هو سبيل العرب للتقدم. لكن الواقع الذي يُنتجه نموذجهم هو التشرذم والفوضى وإراقة الدماء.

الإمارات لا تتحرك وحدها. لقد أصبحت أهم شريك إقليمي لـ"إسرائيل"، وشريكة في مشروع تفكيك مشترك. معاً، تستثمران في الفوضى: إشعال الفتنة، وتسليح الفصائل، وتحويل الفوضى إلى فرصة.

ومن خلال المال والمرتزقة والدعاية، فإنهم يحرضون طائفة ضد طائفة، وقبيلة ضد قبيلة، ويحولون الأمم إلى إقطاعيات متناحرة تسيطر عليها "إسرائيل".

الهيمنة من خلال التقسيم

الغنائم استراتيجية ومادية. يتدفق ذهب السودان عبر قنوات قوات الدعم السريع والإمارات؛ ويتم الاستيلاء على النفط الليبي والموانئ اليمنية بهدوء تحت ستار "الاستثمار". وتستفيد الشركات الإسرائيلية والإماراتية من الموارد المنهوبة وشبكات التهريب التي تزدهر في ظل الفوضى التي ساهمت في خلقها.

بالنسبة لحكومة اليمين المتطرف في "إسرائيل"، الهدف هو الهيمنة من خلال الانقسام. أما بالنسبة للإمارات، فهو قوة مستعارة: وهم الإمبراطورية من خلال العبودية.

كلاهما ينظر إلى المنطقة ليس كدول ذات سيادة، بل كأراضٍ هشة، وككيانٍ ضعيفٍ مهيأٍ للتلاعب. من إمارة خليجية صغيرة، أعادت أبوظبي تصوير نفسها كطرفٍ متطفلٍ إقليمي، متورطٍ في كل صراعٍ من اليمن إلى ليبيا إلى السودان.

والحقيقة أن المفارقة هنا هي أن "إسرائيل" تتخيل نفسها قوة عظمى، مخمورة بالثروة، وتشجعت بتحالفها مع "إسرائيل"، ومقتنعة بأن تصدير الأزمات سوف يحميها من التغيير.

لكن الجغرافيا والتاريخ لا يوفران مثل هذه الحماية. تظل الإمارات دولة صغيرة تمارس لعبة الإمبراطورية، تشن حروباً تفوق إمكانياتها، وتواجه عواقب لا تستطيع احتواءها.

فالحرائق التي أشعلتها في السودان وليبيا واليمن وغيرها لن تندلع إلى الأبد. عاجلاً أم آجلاً، سيلقى كل مُشعل ناره. ومن يبني قوته على النار، ينتهي به الأمر دائماً إلى الاحتراق.

 

مقال للكاتبة والصحفية التونسية البريطانية سمية الغنوشي نشرته صحيفة "ميدل إيست آي"